Sunday, September 26, 2010

غسيل وحنين




تتسارع دقات قلبي ..وتتسابق معها أنفاسي ..وصداع يجتاح رأسي ..بينما يداي تلتقطان الغسيل المبلل لكي تنشره على تلك الأحبال المتراصة في خطوط أفقية ..تمتزج في عيني أكاد لا أميز موقع كل منها
ولساني يلهج ..أستغفر الله !

نظرت إلى السبت الذي يحوي مشابك الغسيل فإذا بنصفها تقريبا قد اختفى
ولازلت أُسقط المشابك إلى الآن ..أسمع صوتها يرتطم بالأرض فأنتبه إلى تشتت تركيزي!

أحيانا تجول كل الخواطر مرة واحدة في عقلي ..جيئة وذهابا وصورا وأشكالا وأصواتا وأماكن
ومراحل تعبر الطريق أمام عيني ..ناهيك عن شرود الذهن لايعيده سوى ارتطام ذلك المشبك أو ذاك

وسرعان ما يدق الباب بقوة ..نسيت أن أخبركم أن جرس الباب غالبا يكون مُعطل مما يدفع البعض لطرق الباب بعنف فلربما لا أسمع !
بقي أن يكون من يدق الباب إما محصل فواتير -كهربا ..غاز......- أو إما المكوجي
والناظر إلى حالة الكسل وشرود الذهن التي تنتابني يفطن إلى أني لن أرد على أي منهم
بل سأفضل الجلوس وكأني لا أسمع شيئا !

لازلت لا أدري لماذا يكون أول ما أمسك به بعد الانتهاء من كومة الغسيل تلك هو اللاب توب
ألتقطه بشعور لا إرادي
وأسرح فيه لبعض الوقت
أتنقل بين صفحات المواقع وربما ترهقني القراءة فأمر عليها مرور الكرام

فجأة وبدون أي مقدمات ...تذكرت ذلك المنتدى القديم ..تقريبا أول منتدى سجلت فيه فقررت البحث عنه وبالفعل وجدته ولكن بعد أن تغير اسمه وتصميمه ..تغيرت كثير من ملامحه!
وشعرت بالحنين وأنا أتأمل أسماء الأعضاء الذين اعتدت على المشاركة معهم منذ سنين
بحثت عن مشاركاتي القديمة وجلست أقرأها
وتفاوتت تعليقاتي عليها
فتارة اشعر بالسذاجة التي كنت عليها في تلك المرحلة
وتارة أشعر أني لا أذكر ذلك الكلام على الإطلاق
وأخرى تشعرني بالاعتزاز بهذا السجل من المشاركات
لم تكن مشاركات ضخمة وأغلبها غير مؤثرة
ولكن نوعا ما لامست قلبي
إنه الحنين لكل ما مضى
الحنين إلى ذكريات قديمة


{‏وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا‏}‏




Friday, September 17, 2010

رؤى




تميزت دوما بتلك النظرة المحيرة في عينيها ..بالرغم من كونها طفلة في الثامنة من عمرها إلا أن كل من ينظر إلى هاتين العينين يكاد يوقن أن وراءهما نضج فتاة في العشرين.. نظرة واحدة تجعلك تحتار بين البراءة التي تحملها ..وبين الغموض الذي يسكن وراءها ..وبين الألم والفرحة معا ..فكل منهما يعلن عن نفسه في صراع في نفس " رؤى "
هكذا سماها أبواها .. حينما ولدت ..لشعورهم بأن قدومها هو أول رؤيهم الحقيقية للسعادة وللحياة في آن واحد

لم تمض عدة سنوات ..حتى بدأت الخلافات بين الأبوين تتوالى ..وتحتدم ..وهي طفلة صغيرة
لازالت لا تعي ..ولا تفسر .. إنما اعتادت أن تقف خلف الأستار تسمع شجارا وتعنيفا وإهانات متبادلة
كانت تفتقد الأمان ..وكلما اشتدت الخلافات ..كانت تلقي بنفسها فوق كومة اللعب على سريرها تحتضن دمية لها لعلها تكسبها بعض الأمان أو الشعور بالاطمئنان
كانت تشتاق إلى الليل بظلمته وسكونه وخلود كل من في البيت إلى النوم ..
وما إن تشرق الشمس حتى تعرف أن المشاكل قد بدأت من جديد ..وتظل تمني نفسها بقدوم الليل مرة أخرى

قُدِّر لها أن تحيا وسط هذه المنزل كائنا غريبا لا تشعر بأي انتماء له
وفي كل يوم تزداد إحساسا بالخوف والألم
كانت تتساءل في نفسها عن سر هذه الضحكات في وجوه الأطفال ؟
وهل هناك ما يضحك في هذه الحياة ؟
وحُقَّ لها هذا الشعور طالما أنها لا تعرف من الدنيا سوى هذه الآلام التي تحرمها من الحياة الطبيعية لمن هم في مثل عمرها
لم يكترث أحد من الوالدين لكل هذه المشاعر في نفس طفلتهم
فلم يتخيلا قط أن طفلة بعمرها تحمل كل ذلك الألم وتحجبه عنهم
وكلاهما يفكر كيف ينتصر لنفسه
دون أن ينتصر أحدهما لطفلته !!
تعقدت الأمور وازدادت سوءا ووصل الأمر لحد الطلاق
وبدأت المعاناة الحقيقية ل " رؤى "
حيث تنازع الطرفان عليها ..ليضيف كل منهما انتصارا جديدا لنفسه ..لا حبا لها ولا حرصا عليها
أصيبت "رؤى " بنوبات تشنج عصبية متكررة
وأصبحت طريحة فراش المستشفى
تكاد تكون غائبة عن الوعي في أغلب الوقت
لم يع أي من أبويها قيمة الزهرة التي حباهما الله إلا بعد ان بدأت تذبل أمام ناظريهما شيئا فشيئا
ولكن ما عاد يفيد وعيهم الآن بشيء
فقد قضت نحبها
وهي ترجو أن يكون هذا ليلا طويلا
لا تحيا منه أبدا
لا تشرق له شمس
ولا تسمع له ضجيجا
ولا تتألم لقدومه
هكذا عاشت ..,هكذا ..ماتت!!
رؤى