Friday, September 17, 2010

رؤى




تميزت دوما بتلك النظرة المحيرة في عينيها ..بالرغم من كونها طفلة في الثامنة من عمرها إلا أن كل من ينظر إلى هاتين العينين يكاد يوقن أن وراءهما نضج فتاة في العشرين.. نظرة واحدة تجعلك تحتار بين البراءة التي تحملها ..وبين الغموض الذي يسكن وراءها ..وبين الألم والفرحة معا ..فكل منهما يعلن عن نفسه في صراع في نفس " رؤى "
هكذا سماها أبواها .. حينما ولدت ..لشعورهم بأن قدومها هو أول رؤيهم الحقيقية للسعادة وللحياة في آن واحد

لم تمض عدة سنوات ..حتى بدأت الخلافات بين الأبوين تتوالى ..وتحتدم ..وهي طفلة صغيرة
لازالت لا تعي ..ولا تفسر .. إنما اعتادت أن تقف خلف الأستار تسمع شجارا وتعنيفا وإهانات متبادلة
كانت تفتقد الأمان ..وكلما اشتدت الخلافات ..كانت تلقي بنفسها فوق كومة اللعب على سريرها تحتضن دمية لها لعلها تكسبها بعض الأمان أو الشعور بالاطمئنان
كانت تشتاق إلى الليل بظلمته وسكونه وخلود كل من في البيت إلى النوم ..
وما إن تشرق الشمس حتى تعرف أن المشاكل قد بدأت من جديد ..وتظل تمني نفسها بقدوم الليل مرة أخرى

قُدِّر لها أن تحيا وسط هذه المنزل كائنا غريبا لا تشعر بأي انتماء له
وفي كل يوم تزداد إحساسا بالخوف والألم
كانت تتساءل في نفسها عن سر هذه الضحكات في وجوه الأطفال ؟
وهل هناك ما يضحك في هذه الحياة ؟
وحُقَّ لها هذا الشعور طالما أنها لا تعرف من الدنيا سوى هذه الآلام التي تحرمها من الحياة الطبيعية لمن هم في مثل عمرها
لم يكترث أحد من الوالدين لكل هذه المشاعر في نفس طفلتهم
فلم يتخيلا قط أن طفلة بعمرها تحمل كل ذلك الألم وتحجبه عنهم
وكلاهما يفكر كيف ينتصر لنفسه
دون أن ينتصر أحدهما لطفلته !!
تعقدت الأمور وازدادت سوءا ووصل الأمر لحد الطلاق
وبدأت المعاناة الحقيقية ل " رؤى "
حيث تنازع الطرفان عليها ..ليضيف كل منهما انتصارا جديدا لنفسه ..لا حبا لها ولا حرصا عليها
أصيبت "رؤى " بنوبات تشنج عصبية متكررة
وأصبحت طريحة فراش المستشفى
تكاد تكون غائبة عن الوعي في أغلب الوقت
لم يع أي من أبويها قيمة الزهرة التي حباهما الله إلا بعد ان بدأت تذبل أمام ناظريهما شيئا فشيئا
ولكن ما عاد يفيد وعيهم الآن بشيء
فقد قضت نحبها
وهي ترجو أن يكون هذا ليلا طويلا
لا تحيا منه أبدا
لا تشرق له شمس
ولا تسمع له ضجيجا
ولا تتألم لقدومه
هكذا عاشت ..,هكذا ..ماتت!!
رؤى

No comments: